توفيق
الحكيم (9 أكتوبر 1898 - 26 يوليو 1987) في القاهرة. كاتب وأديب مصري، من
رواد الرواية والكتابة المسرحية العربية ومن الأسماء البارزة في تاريخ
الأدب العربي الحديث، كانت للطريقة التي استقبل بها الشارع الأدبي العربي
نتاجاته الفنية بين اعتباره نجاحا عظيما تارة وإخفاقا كبيرا تارة أخرى
الأثر الأعظم على تبلور خصوصية تأثير أدب وفكر الحكيم على أجيال متعاقبة
من الأدباء [1].كانت مسرحيته المشهورة أهل الكهف في عام 1933 حدثا هاما في
الدراما العربية فقد كانت تلك المسرحية بداية لنشوء تيار مسرحي عرف
بالمسرح الذهني. بالرغم من الإنتاج الغزير للحكيم فإنه لم يكتب إلا عدداً
قليلاً من المسرحيات التي يمكن تمثيلها على خشبة المسرح وكانت معظم
مسرحياته من النوع الذي كُتب ليُقرأ فيكتشف القارئ من خلاله عالماً من
الدلائل والرموز التي يمكن إسقاطها على الواقع في سهولة لتسهم في تقديم
رؤية نقدية للحياة والمجتمع تتسم بقدر كبير من العمق والوعي [2].
سمي تياره المسرحي بالمسرح الذهني لصعوبة تجسيدها في عمل مسرحي وكان
الحكيم يدرك ذلك جيدا حيث قال في إحدى اللقاءات الصحفية : "إني اليوم أقيم
مسرحي داخل الذهن وأجعل الممثلين أفكارا تتحرك في المطلق من المعاني
مرتدية أثواب الرموز لهذا اتسعت الهوة بيني وبين خشبة المسرح ولم أجد
قنطرة تنقل مثل هذه الأعمال إلى الناس غير المطبعة. كان الحكيم أول مؤلف
استلهم في أعماله المسرحية موضوعات مستمدة من التراث المصري وقد استلهم
هذا التراث عبر عصوره المختلفة، سواء أكانت فرعونية أو رومانية أو قبطية
أو إسلامية لكن بعض النقاد اتهموه بأن له ما وصفوه بميول فرعونية وخاصة
بعد رواية عودة الروح أرسله والده إلى فرنسا ليبتعد عن المسرح ويتفرغ
لدراسة القانون ولكنه وخلال إقامته في باريس لمدة 3 سنوات اطلع على فنون
المسرح الذي كان شُغله الشاغل واكتشف الحكيم حقيقة أن الثقافة المسرحية
الأوروبية بأكملها أسست على أصول المسرح اليوناني فقام بدراسة المسرح
اليوناني القديم كما اطلع على الأساطير والملاحم اليونانية العظيمة [3].
عندما قرأ توفيق الحكيم إن بعض لاعبي كرة القدم دون العشرين يقبضون ملايين
الجنيهات قال عبارته المشهورة: "انتهى عصر القلم وبدأ عصر القدم لقد أخذ
هذا اللاعب في سنة واحدة ما لم يأخذه كل أدباء مصر من أيام اخناتون"[4].
عاصر الحربين العالميتين 1914 - 1939. وعاصر عمالقة الأدب في هذه الفترة
مثل طه حسين والعقاد واحمد امين وسلامة موسى. وعمالقة الشعر مثل احمد شوقي
وحافظ إبراهيم، وعمالقة الموسيقى مثل سيد درويش وزكريا أحمد والقصبجى،
وعمالقة المسرح المصرى مثل جورج ابيض ويوسف وهبى والريحاني. كما عاصر فترة
انحطاط الثقافة المصرية (حسب رأيه) في الفترة الممتدة بين الحرب العالمية
الثانية وقيام ثورة يوليو 1939 - 1952. هذه المرحلة التي وصفها في مقال له
بصحيفة اخبار اليوم بالعصر "الشكوكي"، وذلك نسبة محمود شكوكو.
وفي سنة 1928 عاد توفيق الحكيم إلى مصر ليواجه حياة عملية مضنية فانضم إلى
سلك القضاء ليعمل وكيلا للنائب العام في المحاكم المختلطة بالاسكندرية ثم
في المحاكم الأهلية بمناطق نائية قروية جعله هذا يتأمل حقيقة الحياة من
حوله وأغلب الظن ان عمله كنائب فى الارياف اثرى فيه البعد الفلسفى العميق
وفي سنة 1934 انتقل الحكيم من السلك القضائي ليعمل مديرا للتحقيقات بوزارة
المعارف ثم مديرا لمصلحة الارشاد الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية.
ثم شعر الحكيم ان اخر الخيوط مع العمل الوظيفى قد تقطعت فقدم استقالته فى
1934 ليعمل في جريدة "أخبار اليوم" التي نشر بها سلسلة من مسرحياته وظل
يعمل في هذه الصحيفة حتى عاد من جديد إلى الوظيفة فعين مديرا لدار الكتب
الوطنية سنة 1951 وعندما أنشئ المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب عين
فيه عضوا متفرغا وفي سنة 1959 قصد باريس ليمثل بلاده بمنظمة اليونسكو لكن
فترة إقامته هناك لم تدم طويلا إذ فضل العودة إلى القاهرة في أوائل سنة
1960 ليستأنف وظيفته السابقة بالمجلس الأعلى للفنون والآداب وعمل مستشاراً
بجريدة الأهرام ثم عضواً بمجلس إدارتها في عام 1971، كما ترأس المركز
المصري للهيئة الدولية للمسرح عام 1962 وحتى وفاته.
وكذلك اهتم الحكيم بالموسيقى والعزف على آلة العود وكذلك بالتمثيل وراح
يتردد على الفرق المختلفة التي كانت تقيم الحفلات التمثيلية في المسارح،
ومن أهمها فرقة عكاشة التي قدّم لها الحكيم العديد من أعماله ، وكان
الحكيم نابضا بالحياة مثل اى شاب ثائر لوطنه المحتل وقد القى القبض عليه
فى ثورة 1919 عندما اشعلت الثورة الروح القومية في قلوب الشباب فأسـرعوا
يقدمون إنتاجهم الذي يفيـض بالوطنيـة وقدم الحكـيم مسرحيته "الضيف
الثقيل". وتوفيق الحكيم له العديد من المؤلفات المسرحية التي تربو على
الخمسين باختلاف أنواعها وشخصياتها ومن أشهر مؤلفاته نذكر (أهل الكهف -
شهرزاد - براكسا - صلاة الملائكة - بيجماليون - اللص - الصفقة - السلطان
الحائر - الطعام لكل فم - بنك القلق - راهب بين النساء) ، وقد تنوعت
مسرحياته بين (المسرح الذهني) وهى مثل مسرحية أهل الكهف ومسرحية بيجماليون
ومسرحية براكسا ومسرحية محمد و شهرزاد وسليمان الحكيم والملك أوديب وإيزيس
والسلطان الحائر وغيرها ، و(مسرح اللامعقول) ومن أشهرها مسرحية الطعام لكل
فـم ومسرحية نهر الجنون ومسرحية رحلة إلى الغد ومسرحية لو عرف الشباب .
وكان لتوفيق تجربة مريرة مع الحب هى التى جعلته عدو المرأة الاول وذلك
عندما كان ينهى تعليمه الثانوى فقد عرف الحكيم معنى الحب عندما أحب فتاة
من سنه كانت ابنة أحد الجيران، ولكن انقطعت صلته بها بعدما ساءت علاقة هذه
الفتاة بعمته التى كان يراها عندها ثم بعد تغير مشاعرها تجاه توفيق الحكيم
عندما احبت شخصاً آخر غيره ، وقد كره النساء جميعا ولم يتزوج.
ولقد منحته الحكومة المصرية اكبر وسام وهو "قلادة الجمهورية" عام 1957
تقديرا لما بذله من جهد من أجل الرقي بالفن والأدب وغزارة إنتاجه كما منح
جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1960 ووسام العلوم والفنون من
الدرجة الأولى ، وقلادة النيل عام 1975 ، كما حصل على الدكتوراه الفخرية
من أكاديمية الفنون عام 1975 ، كما أطلق اسمه على فرقة ( مسرح الحكيم ) في
عام 1964 حتى عام 1972، وعلى مسرح محمد فريد اعتباراً من عام 1987.
وفي يوليو من عام 1987 توفى رمز المسرح العربى الحديث تاركا خلفه فراغا كبيرا لم ولن يستطيع احد ان يملأه.